بمناسبة يوم العلم قررت ان احضر لكم نبذة بسيطة عن العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله
1 ـ حياة ابن باديس ، الميلاد والنشأة
:

ولد عبد الحميد بن باديس بن محمد المصطفى بن الشيخ المكي بن باديس بقسنطينة يوم
الخامس من ديسمبر 1889م الموافق لـمنتصف ربيع الثاني لعام 1308هـ ، وأمه هــــــي
السيدة : زهيرة بنت علي بن جلول من أسرة عبد الجليل الشهيرة في قسنطينة ، وكان عـبد
الحميد الابن الأكبر لوالديه ، أما أبوه فكان نائبا منتخبا في عدة مجالس.
ويكفي أن نشير إلى أنه ينتمي إلى أمجاد القبيلة الصنهاجية العظيمة ، التي أنجبت المعــز
بن باديس، مؤسس الدولة الصنهاجية ، التي خلفت الفاطميين على مملكة القيروان ، بـعـدما
انتقلوا إلى مصر ، وجعلوا عاصمتهم ( القاهرة المعزية) نسبة إلى المعز لدين الله الخـــليفة
الفاطمي.
من هذه الأسرة العريقة انحدر عبد الحميد بن باديس ، وفي هــذا البـيت الكريـم نـشــأ
وترعرع معززا مكرما ، لا ينقصه شيء من متاع الحياة الدنيا ، وكان أبــوه يحبه حبا جما
ويعطف عليه ، ويتوسم فيه النباهة ، وهو الذي سهر على تربيته وتوجيــهه التوجـيه الــذي
يتلاءم مع فطرته ومع تطلعات العائلة ، كما كان الابن من جهته يــجل أباه ويقدره ويــبره .
2 ـ شخصية ابن باديس :
هي شخصية متعددة الجوانب ، متنوعة المواهب ، فقد توفرت لها مؤهلات من النادر
أن تجتمع في شخصية واحدة ، فهو : عـالم ورع وفقيه مجــتهد في أمور الدين ، مساير
لمقتضيات العصر وظروف الحياة ، معلم موهوب ، مجدد في أساليب التعليم ، وصاحب
مذهب في تفسير كتاب الله ، وزعيم من زعماء الفكر الإصلاحي والنضال السياسي .
له آراء ومواقف في الدين والأخلاق والسياسة ، هو كاتب بارع وخطيب بليغ وشاعر .
ومن يتتبع حياته ويدرس جوانب شخصـيته يلمس بوضوح هذه الجوانب المخـتلفة ، فـهــو
يجمع إلى جانب القدرة على الكتابة البليغة الهادفة والخطابة المؤثرة وقول الشعر الوطني،
الإمامة في العلم و الدين ، والزعامة في النضال السياسي والإصلاح الاجتماعي يزيـن كل
ذلك سـعة الاطلاع ، وعمق التفكير ومتانة في الخلق ، واستقامة في السلوك وذكاء حــاد ،
ووعي كامل بمشكلات العصر.
3 ـ النضال الإصلاحي :
تمثلت بداية النضال الإصلاحي في المحاولة الأولى التي استهدفت وضع الأساس الذي
تقوم عليه الحركة الإصلاحية ، وكانت هذه المحاولة بمثابة تلمس الطريق واســــتـكشاف
الوسائل لرسم الإطار العملي لهندسة الخطة الإصلاحية المتكاملة ، وضبط عناصـــرها ،
وتصور العقبات التي يــمكن أن تعترض تنفيذها .
وكانت البداية من الجامع الكبير ، حيث بدأ يدرس لبعض الطلبة ، أما العامة فكان يقدم
لهم دروسا في الوعظ والإرشاد ، غير أن مدة تعليمه في الجامع الكبير لم تطل .
تعرض لعراقيل عدة ففكر في الهجرة والسفر فكان له ذلك إذ ذهب إلى البقاع المقدسة
لأداء مناسك الحــج،وتعـرف على الكثير مـن الشخصيات في رحلته لبعـض العـواصـم
العربية ، عاد إلى الوطن وفي فكره مشروع كبير صممه مع رفيقه الأســتاذ : البـشـيـر
الإبراهيمي.
4 ـ البدء في تنفيذ المشروع التربوي المتكامل :
يقضي هذا المشروع لضبط خطة إصلاحية متعددة الأوجه، تنطلق أساسا من التعليــم
والتثقيف ثم تتوسع لتشمل مجالات أخرى وتعتمد وسائل أخرى .
وبمجرد عودته للوطن شرع في تنفيذ خطوات المشروع المتكامل الذي يرتكز عـــــلى
العمل الإصلاحي من خلال نشر التعليم وتربية الأجيال ، بدأ يعلم الناس ويرشدهم ، ويبث
الوعي في النفوس ليكون منهم الطلائع الأولى التي ستنهض بخدمة البلاد .
5 ـ أول مدرسة عربية أنشأها :
فكر في تعليم الأطفال الذين بلغوا سن التعلم،ولم يجدوا لهم مكانا في المدارس الحكومية
فأسس مدرسة بمسجد سيدي بومعزة ، وأطلق عليها اسم "المكتب العربي" وأسند إدارتــها
إلى أحد طلابه الأوائل هو الشيخ "مبارك الميلي" بعد تخرجه من جامع الزيتونة ، ثم نقلها
إلى مقر الجمعية الخيرية ووسع نطاق عملها ، وشكل هيئـة للإشـــراف علــيها ســـماهـــا
(جمعية التربية والتعليم الإسلامية).
6 ـ تأسيس جمعية العلماء المسلمين :
تأسست "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين " يــوم الخامس مــن ماي 1931م فــــي
"نادي الترقي" بالعاصمة إثر دعوة وجهت إلى كل عالم من علماء الإسـلام في الجزائـــر،
من طرف "هيئة مؤسسة " مؤلفة من أشخاص حياديين ينتمون إلى نــادي التــرقي غــيــر
معروفين بالتطرف ، لا يثير ذكرهم حساسية أو شكوكا لدى الحكومة، لبى الدعوة وحضر
الإجماع التأسيسي أكثر من سبعين عالما من مختلف جهات الوطن وتم انتخاب بن باديس
غيابيا .
7 ـ مكانة العمل التربوي في نشاط ابن باديس :
المعروف عن نشاط ابن باديس أنه متعدد الجوانب ، وأبرزها الجانب التربوي التعليمي
الذي كرس له 27 عاما من حياته متطوعا ، وهذا يدل على الأهمية البالغة للعمل التربوي
وعلى المكانة البارزة التي احتلتها التربية ضمن مشروع الحركة الإصلاحية التي قـــادها
ووجهها ، فالتربية عنده هي حجر الأساس في كل عمل بنائي لذا أعطاها كل جهده ووقته.
8 ـ المعرفة والعلم في نظر ابن باديس :
كان ابن باديس يركز على المعارف المستنبطة من القرآن والحديث، وعلى الحقائق
المستخلصة من تحليل أحكام الشريعة في صلتها بواقع الأمة ، فـلأنه يــرى أن الـعـلـوم
الشرعية الصحيحة هي الأساس الذي يجب أن يبني عليه المسلم نظــرته إلى الــوجود ،
عن طريق العلوم والمعارف التي تستجيب لتطلعات الأمة الإسلامية إلى الرقي ومواكبة
المدنية الحديثة . فالجمع بين العلوم الموروثة ، والعلوم الحديثة هــو النهج الـذي كـــان
يدعو إلى إتباعه .
9 ـ بعض ما قيل في ابن باديس من أعرف الناس به :
ـ أحمد توفيق المدني في فقرة من كتابه "حياة كفاح" قال :
" .....رحم الله ابن باديس العظيم ، لقد دخل عالم الخلود من أوسع أبوابه ، ومن كان
مثله علما وعملا وجهادا ونفعا وتواضعا وزهدا وورعا ، فهو خالد لا يموت إنه موجود
في كل قلب ، إنه حي في كل فكر ، إنه حاضر في كل ضمير ، إنه الشمس المشرقة التي
لا تغيب أبدا مهما قال شانئوه ومهما همز ولمز حاسدوه " .
ـ محمد البشير الإبراهيمي يعرفنا به قائلا :
" عبد الحميد بن باديس باني النهضة الجزائرية وإمامها ، ومدرب جيوشها ، عالــــــم
ديني ، ولكن ليس كعلماء الدين الذين عرفهم التاريخ الإسلامي في قرونه الأخيرة ، جمع
الله فيه ما تفرق في غيره من علماء الدين في هذا العصر، وأربى عليهم بالبيان الناصع ،
واللسان المطاوع ، والذكاء الخارق ، والفكر الولود ، والعقل اللماح ، والفــهم الغواص ،
على دقائق القرآن وأسرار التشريع الإسلامي، والإطلاع الواسع على أحوال المسلمين
والإلمام الكافي بمعارف العصر مع التمييز بين ضارها و نافعها.
ـ الشيخ العربي التبسي كتب في مقال قائلا :
" إن الرجال لا تسجل أنسابهم ولا صورهم ولا أموالهم في سجل الإنسانية ، وإنما
تسجل عقائد الذين غرسوا عقائدهم في نفوس الناس ......
وإنما تسجل أعمال الذين أخرجوا الناس من فوضى اجتماعية إلى نظـام اجتماعي
توارثته الإنسانية بعدهم "
10 ـ وفاته :
عاش عبد الحميد بن باديس محبا لبلاده وفيا لها ، مدافعا عنها إلى أن وافته المــنيـة
في 16 من شهر أفريل من عام 1940م ، وكانت وفاته حدثا كبيرا اهتزت له
البلاد من أقصاها إلى أقصاها .
والعلامة " عبد الحميد بن باديس " جدير بأن تقيم له الأمة الجزائرية الإسلامية العربية
اليوم الذكرى ، وجدير بأن يعد من أولئك الذين سجل لهم التاريخ جهودا رحمه الله ، أليس
هو القائل :
شعب الجزائر مـسلــم وإلـى الـعـروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله أو قــال مات فـقد كـذب


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"
اتمنى ان يعجبكم الموضوع