السلام عليكم والرحمه والاكرام


*********


تعرَّض القرآن منذ أول نزوله على رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- وحتى اليوم إلى هجوم شديد وحرب شرسة وتشكيك في آياته ومقاصده ومراميه وإنه قول بشر، وأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعلمه بشر كذلك.

كما يوصي أعداء الإسلام بعضهم بعضًا ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)﴾ (فصلت)، أو يطلبون من الرسول- صلى الله عليه وسلم- ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ (يونس: من الآية 15)، كما ذهب اتهامهم إلى الزعم بأنه ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5)﴾ (الفرقان).

وإن الصفات الشائنة التي وصف بها الكفار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أمثال: شاعر، كاهن، كذاب، مجنون، أفاك، وغير ذلك من الأوصاف التي حفل بها قاموسهم من السباب والشتائم؛ سواء في الوقت الذي نزل فيه القرآن، أو تحفل به كتب المستشرقين في القرون المتأخرة ومن سار على نهجهم من العرب والمسلمين الذين تتلمذوا على كتبهم وأفكارهم، من أمثال نصر حامد أبو زيد، أو محمد عرجون الذي مات أخيرًا، وغيرهما ممن يدعون أن القرآن منتج بشري، ورفع القداسة عن كثير من أحكام القرآن وقوانينه باعتبار نسبية هذه الأحكام، وعدم مناسبة كثير منها للعصر الحديث؛ حيث إنها لا تناسب الزمان ولا المكان، إلى غير ذلك من الطعون.

هذا وهناك ثلاثة مواقف تعرض فيها القرآن الكريم للتهجم للتمثيل لا للحصر:
الأول: عندما وقف "جلادستون" رئيس وزراء إنجلترا في بداية القرن العشرين يحمل نسخة من المصحف في مجلس العموم البريطاني ويقول: (إنه لن يستقر لنا قرار في البلاد الإسلامية ما دام هذا المصحف بينهم أو في أيديهم)، فينبري له أحد أعضاء المجلس يحمل الآخر مصحفًا، ويقول له بصوت عالٍ: "فلنضع هذا المصحف تحت أقدامنا، هكذا"، ولكن رئيس الوزراء "جلادستون" يرد عليه بدهاء وخبث: "ما هكذا تحل القضية، وواجبنا أن نباعد بين المسلمين وبين المصحف".

ولعمري إن هذا الأسلوب فيه من المكر وسوء الطوية والشيطنة؛ ما يجعلنا نتأكد أن هذا هو خط أعداء الإسلام في الحيلولة بين القرآن، وبين أن يقوم بدوره في قيادة الأمة نحو القوة والتمكين وإصلاح أحوالها، والعودة إليه عودًا حميدًا ليكون لها دورها بين الأمم، وتستعيد مركزها الرائد، وتحمي أرضها وعرضها وتراثها وتحافظ على شرفها ومقدساتها وثرواتها.

الثاني: أشارت الكاتبة "سحر الجعار" في مقال يوم 24/9/2010م في جريدة (المصري اليوم)، وقالت: (وهذا هو "موريس صادق" المحامي يهدِّد بحرق مائة نسخة من المصحف في حالة خطف أي امرأة قبطية ورفض الشرطة إعادتها للكنيسة"، ويقول: "لن نقبل أنها دخلت الأيديولوجية الإسلامية برغبتها".

وقضية دخول القبطي أو القبطية الإسلام لا ترانا نحفل بها كثيرًا، وليست هي محط الاهتمام ومربط الفرس، فالمسلمون عددهم يربو على المليار ونصف المليار في العالم، ولكن أين هم في المحيط الدولي والعام؟!، وأين دورهم في قيادة البشرية نحو الخير والأمن والطمأنينة؟، إنهم حقيقة يسرى عليهم وصف حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها"، وينتهي الحديث: "بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل"، هذه "الغثائية" التي يعيشها المسلمون اليوم هي التي أغرت الأعداء والخصوم من كل حدب وصوب أن تتكالب على بلاد المسلمين، بعد أن قذف الله في قلوبهم الوهن؛ وهو حب الدنيا وكراهية الموت.

ولكن ما يلفت النظر في هذه الحوادث أنها تتكرر هنا وهناك، وأنها تنذر بشر كبير، وأن الناس تتجاوب مع أخبارها وقد يتفاعل العامة بعواطفهم الطائشة إلى ما لا تحمد عقباه من الفتنة المنفلتة، وهذا ما نخشاه ومعنا عقلاء هذه الأمة، ونحتاج إلى رجل رشيد فأين هو؟!.

الثالث: أن القس الأمريكي "تيري جونز" في فلوريدا قد هدَّد- كما حملت الأخبار- بحرق المصحف علنًا في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر؛ ردًّا على ما قام به المسلمون- كذبًا وادعاءً- من تدمير البرجين في نيويورك، وراح ضحية ذلك أكثر من ثلاثة آلاف أمريكي، وطبيعي أن يتراجع هذا القس الأهوج عن هذا الفعل الشنيع لما سيترتب عليه من هياج بين عامة المسلمين وخاصتهم، تخشى أمريكا على مصالحها من جرائه.


ما دورنا نحن نحو القرآن؟
القرآن الكريم هو دستور هذه الأمة وهو شرفها ونورها وعزها، وهو نبض حيويتها ومقياس رشدها و"ترمومتر" تفاعلها الإيجابي معه، التزامًا وخلقًا وعلمًا وعملاً وسلوكًا ودعوةً وتربيةً وجهادًا وتحاكمًا وتشريعًا وحربًا وسلمًا ونهضةً ورقيًّا وتقدمًا وحضارةً، وهو كل ذلك وأكثر من ذلك.

في رسالة (الإخوان تحت راية القرآن)، يشير الأستاذ البنا- رحمه الله- إلى أن الروح العامة التي تهيمن على الحاكمين، والمحكومين وتشكل مظاهر الحياة على اختلافها، كل ذلك بعيد عن الإسلام وتعاليم الإسلام (مع ملاحظة أن هذا الحديث كان منذ أكثر من سبعين عامًا)؛ ولكن لأن حظ العداوة للإسلام المتمثل في القرآن واحد، ولأن حال المسلمين ما زال كما هو منذ مدة طويلة؛ حيث زمام أمورهم ليست بأيديهم بالضرورة، وإن بدا أن كثيرًا من بلادهم قد نالت التحرر شكلاً لا مضمونًا وقولاً لا فعلاً.

ونمضي مع الأستاذ البنا في وصفه (هذه المساجد الشامخة القامة التي يعمرها الفقراء والعجزة فيؤدون فيها ركعات خالية من معاني الروحانية والخشوع إلا من هدى الله!!).

هذه الأيام التي تصام في العام فيكون موسمًا للتعطل والتبطل والطعام والشراب، قلما تتجدد فيها نفس أو تزكى بها روح ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ (ص: من الآية 24).

هذه المظاهر الخادعة من المسابح والملابس واللحى والمراسم والطقوس والألفاظ والكلمات، ويتساءل الأستاذ أهذا هو الإسلام الذي أراده الله أن يكون رحمته ومنته الكبرى على العالمين؟!.

أهذا هدي محمد- صلى الله عليه وسلم- الذي أراده أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور؟!.

أهذا هو تشريع القرآن الذي عالج أدواء الأمم ومشكلات الشعوب ووضع للإصلاح أدق القواعد وأرسخ الأصول؟.

وبالطبع فما زالت هذه التساؤلات وغيرها قائمة في أيامنا هذه!! في عام 2010م وما زال أمام الغيورين على القرآن العمل الكثير والكثير، وما زال هذا التحدي يواجه النخبة الصالحة التي تعمل بدأب واجتهاد وصبر وتحمل، لترى (القرآن هديًا ساطعًا في كل داء)، كما كنا ننشد بذلك ونتغنى، ونحن أشبال صغار في دعوة الإخوان.

أخلاق القرآن
تحكي السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه كان خلقه القرآن، ومن صفاته- صلى الله عليه وسلم- أنه كان قرآنًا يمشي على الأرض.

والمسلمون جميعًا بل والعاملون لدين الله يجب أن يتحلوا بهذه الصفة ويتخلقوا بالقرآن، وعليهم أن يبذلوا جهدًا كبيرًا في ذلك، فهم يجب أن يسيروا بين الناس بأخلاق القرآن وبهدي النبي العدنان- صلى الله عليه وسلم- والحركة مع الناس أكثر أثرًا وأعمق بعدًا، من الحديث أو الثرثرة التي تخلو من المضمون والقدوة.

إن الناس الآن في حاجة إلى مشروع عملي أخلاقي وسلوكي، يخرجهم من حالة الإحباط والتخبط والتشتت والانفصام التي تحدثه آلة الإعلام المحلي والعالمي، وتجعل منهم مسخًا مشوهًا لا ينفع نفسه ولا وطنه ولا دينه، إلى أن يكون الفرد واعيًا إيجابيًّا يفهم دينه ويرتبط بمقدساته.. ويحقق آمال أمته في غدٍ مشرقٍ يحمل بشائر الخير ونسائم الرحمة للبشرية جمعاء، ﴿…. وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ….﴾ (الروم).

إن حضارة المتع والشهوات قد غزت المسلمين جميعًا في عقر دارهم وفي خاصة أنفسهم، وبيوتهم ولا نجاة لنا إلا أن نعمل جميعًا، ومع الناس في كل مكان لنقي الأمة من هذا الشر الوبيل، ونعود معهم إلى أخلاق القرآن وحضارة القرآن لتطرد هذه العملة الطيبة العملة المزيفة السرابية، حضارة المتع والشهوات وما جرته علينا من ويلات وويلات.

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).